بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت رحلتي في تاريخ مصر منذ أمد بعيد..تصفحت فيها مدونات ..ومخطوطات ..ومقالات ..كتبت عنه..أتنقل
فيها كما يتنقل الرحالة المكتشف..بين طيات رحلته ..أتأمل..أنصت..أتابع..أترقب..وان تجمعت في يداي حقائق الأمور بدأت أصدر حكما ورأيا..قد أكون مصيبا أو مخطئا.. هذا يعتمد على وجهة نظر القارئ ...
وفي رحلتي في أرض مصر ..التي تعاني منذ قرن من الزمان حالة من التصحر المزمن أنتجه وأشرف عليه مجموعة من القرارات والرؤى والأحكام الخاطئة..التي تكون دائما ناتجة عن نقص خبرات وكفاءة بعض القياديين ..أو تآمر لأجل مصلحة خاصة من البعض الآخر..أو سذاجة وانعدام لرجاحة العقل المرجوة فيمن توسد إليه أمورنا..!!! وفي رحلتي الشاقة بين أروقة مصر وأطرافها ..استوقفني بيت خرب..لكن خرابه عجيب ..!! بيت يكاد أن يصل إلى قمة الفن العمراني..الذي أبدعه مسلمو الأندلس قديما..لكن أسباب خرابه غريبة عجيبة..!! أسبابه في أهل الدار..الذين يتعاقبون على سكنه منذ ربع قرن..كلما جاءت عائلة نظرت إليه من الخارج..وبدأت تهلل بالوعد والتواعد..بأيام براقة ومشرقة..حتى ما أن تجمعت أقدامهم داخل أجنحة هذا البيت التعيس..تناولوا هذا المعول الهدام ..في ذلك الركن القريب من باب البيت وكأنه ينادي من يسكنه ببدء الهدم مرة أخرى.. دعني أتنقل معك عزيزي القارئ بين ثنايا البيت مختلسا النظر..مراقبا مترقبا.. الله ما أغرب من يسكنون هذا البيت..يهللون بالأمل والمستقبل السعيد خارجه وداخله...يلعنون من سبقهم ممن سكنوا الدار لهدمهم البيت ..!! كما تحدث رب العزة في محكم تنزيله عن هؤلاء ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ).. وكل الأمم المتعاقبة على هذا البيت سواء...!!! وهاهم يقبضون بأيديهم على نفس المعول ليهدموا بيتهم بنفس الطريقة التي تدعوا إلى الحسرة .. وكأن قدر هذا البيت أن يتعايش مع من يفتقدون لعقل نملة نبي الله سليمان..أو من هي قلوبهم أقسى من حجارة معبد الكرنك..أو مع من يمتلكون ضمائر قبيحة مطاطة..كحال كثيرون ممن يوسد إليهم أمور العباد في مصرنا المحروسة..!!! دعني عزيزي القارئ أدخل إلى صلب الموضوع..وكفاك حيرة في دروب من صنع خيالي..!!
دعني أسأل هذا السؤال الذي يستنسخ نفسه بصورة مملة ليثقل علينا بظله كل يوم على كل ناظر لحال الرياضة المصرية... متى سيصبح منتخب مصر من القوة التي تؤهله من مقارعة الكبار..الذين كانوا بالأمس القريب صغارا .. لكن قطار الزمن استمر في سيره عندهم وتوقف عندنا..
كحالنا في أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى ولا يسمح المقام لسردها ونقاشها كلها..!!! دعني أسافر معك بعيدا عبر الزمن إلى ما بعد الحصول على كأس إفريقيا عام 86 من القرن الماضي.. البداية الحقيقية لبطولات المنتخب الأول..!! بعد أن اكتسب الاتحاد الإفريقي أعضاءا جدد يؤهلونه للحصول على بطولة قارية متميزة..مما يؤكد أن البطولة الفرعونية بقياد الرائع طاهر أبو زيد جاءت عن جدارة واستحقاق.. مرت سنتين حتى جاء الموعد الجديد للبطولة الإفريقية..في عام 88 ولكن هذه المرة ليست في مصر بل في ارض المغرب وجاء الخروج المؤلم من الدور الأول ليضع علامات استفهام كثيرة حول أسباب هذا الخروج المذل من حامل اللقب..!!! ولكن كما سيتضح فيما بعد..أن الانكسارات التي يمر بها المنتخب الأول لا تأتي إلا متتابعة بعد أي طفرة مفاجئة يمر بها.. وأقصد هنا أي طفرة مفاجئة بمعنى الكلمة..لأن النجاحات التي مرت على منتخبنا الأول لم تأتي من خلال جهد مبذول ومدروس..بل جاءت نتيجة جهود فردية من اللاعبين و المدربين.. مرت الأيام بسرعة البرق لتحصد مصر أغلى صيد رياضي في تاريخها الكروي برأسية حسام حسن في مرمى محاربين الصحراء ( الجزائر ) وهو الوصول لمونديال ايطاليا.. ذهب الصارم جوهري وكتيبته محملين بأعباء إسعاد أمة ..وتمثيل مشرف..وتحقيق طموح كروي قومي يتمثل بدوري مصري قويم للمحترفين ..والدفع بأبنائنا كطيور مهاجرة لتعشش في ملاعب أوروبا ..لتحصد خبرات السنين من القارة العجوز وتصبها في منتخبنا... وتزامن مع ذلك تراجع الجوهري عن الاشتراك في بطولة إفريقيا 90 متعللا بأهمية الاستمرار في المعسكرات المغلقة والتجهيز للمونديال العالمي وطالب بالدفع بالمنتخب الاولمبي في محفل إفريقيا القاري والذي تابع بدوره الجزء الثاني من خروج سابقه في 88 بنفس السيناريو وبنفس الأسلوب..ولكن يشفع لهم هنا أنهم كانوا صغار السن..ولا يمتلكون الخبرات الكافية التي تؤهلهم لخوض مباريات بحجم بطولة الأمم الإفريقية.. وبعد كأس العالم 90 وبعد التمثيل المشرف.. عادت ريما لعادتها القديمة..!! لم يحترف إلا عدد قليل عادوا جميعا بعد شهور قليلة إلا كابتن مصر هاني رمزي الذي يعتبر حالة خاصة من الشخصية المصرية المكافحة.. لم يخرج لنا دوري محترفين جيد..لافتقاد ملاعبنا الرياضية الأهلية المناسبة لاستضافة معارك بالار بي جيه فما بالك بمباريات لكرة القدم..ولافتقادنا التسويق الإعلامي الجيد.. ولافتقادنا إلى العقلية الإدارية المحترمة التي تستطيع النهوض بحال الكرة المصرية إلى مستويات وآفاق أبعد..ولافتقادنا إلى دستور كروي رياضي محترم ..ولا أتحدث هنا عن هذه اللائحة العقيمة المليئة بالثغرات الإبليسية .. ناهيك عن إعلام رياضي يكاد لا يتعدى تصنيفه هذا الجناح الخاص في مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية المسمى بجناح ( مجنون الاضطهاد ..بين عقد الصفقات واختلاق المؤامرات ).. تم إنهاء التعاقد مع الجوهري بعدما كان يحاول الرجل الارتقاء دائما بمستوى لاعبينا من خلال معسكراته الطويلة ...لأنهم كانوا مطعمين بداء المحلية المزمن والتي تظهر أعراضه في ضعف عام للياقة البدنية...وانعدام للفكر التكتيكي..وحب المظهرة والشووو.. وعاد منتخبنا بأصفاره المتتالية في المسابقات المختلفة بدءا بكأس الأمم الإفريقية في ( السنغال 92 ) من الدور الأول ..ومن بعدها الخروج الدراماتيكي بالطوبة الشهيرة من السباق إلى أرض الأحلام الأمريكية في مونديالها عام 94...ثم في عام 94 في كأس الأمم في تونس من دور الثمانية ( تحسن نسبي ).ومن بعدها جاءت بطولة جوهانسبرج مع احمد الكاس ورفاقه في عام 96.. ولأن جوهرة مصر السوداء لا يستطيع وحده مع رفاقه الموهوبين إصلاح ما أفسده غيرهم خرجوا أيضا بنفس الصورة الباهتة لسابقيهم في بطولة 94 من دور الثمانية.. .لم يكن هذا إلا نتيجة النكث بوعود رؤساء الاتحاد الكروي المصري المتعاقبين ..وتخاذل وزراء الشباب والرياضة من القيام بمهامهم كأقرانهم في كافة الوزارات !! الذين اكتفوا بكيل الوعد تلو الآخر ..ليظهروا للرأي العام المصري أن هناك جهدا مبذولا ..وان هناك خطة عمل يقومون بتنفيذها..وان هناك معوقات وعقبات قاموا بتحطيمها من اجل عيون الكرة المصرية.. حقا كما قال الله عز و وجل عن أمثال هؤلاء..( كلما دخلت أمة لعنت أختها ).. لو اكتفى كل رئيس لاتحاد كرة القدم المصري بالبدء بوضع خطط مناسبة للمراحل السنية المختلفة ..وتلبية احتياجات ومتطلبات كرة القدم الحديثة ..وترك الذم فيمن سبقه من رؤساء.. و كف يديه عن هدم الجزء البسيط الذي بناه سابقيه عن طريق الخطأ..واكتفى من التملق في ذاته ..واكتفى من إعداد الخطط الجهنمية للاستمرار على رأس الاتحاد لأبد الآبدين حتى لو استمر مسلسل فشله ..لكان حال مصر أصبح على أحسن حال في كرة القدم.. إلى أن جاءت نكسة الخروج من تصفيات مونديال عام 98 كنتيجة طبيعية لحالة التخبط الإداري الذي يعيشه الاتحاد المصري لكرة القدم حتى لو اختلفت الوجوه التي تمثله.. و إلى أن جاءت صرخة استنجاد زاهر بالجوهري مرة أخرى ..ليقوم الرجل بترميم شكلي للكرة المصرية بعد أن هدمها القائمين على اتحاداتنا الكروية المتتاليين...واقصد هنا بالفعل كلمة شكلي...!! وعمل في صمت بعدما فقدنا الأمل في الوصول إلى مونديال عاصمة النور على يد سابقه فاروق جعفر...ليحصد بعد عناء وكفاح..وندرة شديدة للخامات الجيدة من اللاعبين...وحرب شعواء قادتها الصحف على هذا المنتخب وعلى هؤلاء اللاعبين المنضمين له وتكسير مجاديفهم كما يقال بالعامية.. البطولة الوحيدة الإفريقية في تاريخ مصر من خارج ارض الكنانة.. جاءت هذه البطولة كدواء يستحث قلوب المصريين على البدء في التفكير بأمل في غد مشرق..بعدما سمعنا تصريحات زاهر البراقة ..بأن كل شيء هيبقى تمام..وان باب الاحتراف سيفتح ..وان النجيلة بتاعت الملاعب هتبقى ولا الحرير الصيني الفاخر...وغيرها وغيرها من الوعود الكاذبة.. فكل شيء لم يصبح تمام ..وباب الاحتراف اتفتح بالعافية بسبب تعنت الأندية المصرية عن بيع لاعبيها وبسبب عزف الأندية الكبرى العالمية عن شراء لاعبين مصريين ..اتفتح من ناحية واحدة وهي بوابة تركيا..حيث أن اللاعب المصري منذ هذا التاريخ حتى الآن اعتاد الذهاب والعودة من الأراضي التركية بدون أي فائدة...وللأسف الملاعب زادت حالتها سوءا بصورة تدعوا للأسف..
إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون.. لان البعير كان خاويا من الأساس من داخله...!!!
القشة كانت خروج مصر على يد الشقيق السعودي في بطولة القارات بالمكسيك عام 99 بالنتيجة المؤلمة خمسة أهداف لهدف واحد.. في الحقيقة لم تمر كرة القدم المصرية بإعصار قوي هز أرجاء المجتمع الرياضي المصري مثل هذا الإعصار..فقد توالت الاستقالات في اتحاد الكرة..ومعها استقالة الجوهري..وعقبها فشل ذريع لمحترفينا القلائل في ملاعب أوروبا بدءا بسمير كمونة وحازم إمام وعبد الستار صبري ومدحت عبد الهادي..وغيرهم..وعودتهم المتتابعة لأرض مصر..محملين بخيبة أمل شعب كان يعلق عليهم أحلاما وردية بمقارعة عدد النيجيريين المحترفين في أوروبا..أو التفوق الفني على أداء محترفين الكاميرون.. ولم ينجو من هذا الحادث المؤلم إلا أحمد حسن ...وهاني رمزي الذي يعرف كيفية إدارة أموره الاحترافية باحترافية.. وعادت كرة القدم المصرية لهذا الصفر المرير..لتبدأ رحلة البحث عن الذات مرة أخرى..
انتهى الجزء الأول من الحديث عن العلاقة بين نكسات منتخب مصر الأول و سياسات اتحادات كرة القدم المصرية المتعاقبة منذ عام 86 حتى عام 99..وإلى لقاء اخر نتناول فيه فترة أخرى ..
منقــــــــــــ للامانة ـــــــــــــــــــول